أكد الوزير السابق يوسف سلامة انه "ليس صحيحا أن لبنان بألف خير، هناك خطأ يتراكم حتى أصبح اليوم خطيئة مميتة تتمثل بأن لبنان مر بحرب قتل وتدمير لم تنته، فانتقلت من خلف متاريس السلاح إلى خلف متاريس السياسة".
وفي كلمة له خلال لقاء في قاعة البطريرك مار بشاره بطرس الراعي بعنوان "المشرق يتموضع من جديد، لبنان الى اين؟" في جامعة سيدة اللويزة ذوق مصبح، نظمه "لقاء الهوية والسيادة"، أشار سلامة الى أن "الاخطر أننا نعيش زمن التحولات الكبرى في المشرق الذي يولد اليوم من جديد من رحم العذاب والموت والاضطهاد، والذي لم يعرف في تاريخه الحديث يوما هادئا. ولبنان الذي كان دائما بوابة هذا المشرق نحو الحضارة والعالم، يتخبط بدوره في حال ضياع على مستوى الهوية والرؤية، واذا استمرت هذه الحال ستهدد وجوده. ففي هذه اللحظات التاريخية التي نشهد خلالها ولادات قيصرية لمجتمعات تتدمر تدميرا ذاتيا وتتآكل من الداخل، يحتاج لبنان الى سياسيين مخلصين، رؤيويين وكفؤ يعرفون كيف يواكبون هذه التحولات وكيف يحمون الوجود اللبناني على مستوى الهوية، والكيان والارض".
ولفت الى أن "لا السلاح أتى بالخلاص، ولا السلام المزيف مع هكذا سياسة سيؤمن الاستقرار. فالسياسة مبنية للأسف على الفساد، ومن هنا لا أمل في أن نصل اذا استمر هذا النمط لحل أي مشكلة في بلادنا. هناك أمر غير سليم يترسخ لدينا، ليس مقبولا ان يرث لبنان بعد الحرب من دفعوه إليها، وليس مقبولا أن يبقى الشعب صامتا ويستمر في المساهمة في ترسيخ الخطأ، وليس مقبولا أيضا عدم توصلنا إلى إحداث تغيير حتى اليوم".
ورأى سلامة أن "لبنان، من دون تغيير في سياسته والسياسيين المتحكمين بمصيره، والذين لا علاقة لهم بالحوكمة والادارة والتجرد، لن يرتاح ولن يمتلك حريته وسيادته واستقلاله ولن يعرف نموا حقيقيا وازدهارا نستحقه جميعا، ولن يقدر أن يتحرر من سطوة الغرباء على قراره، وكثر من أبنائه ما زالوا يتوقون إلى تدخلات الغرباء. لا معنى للانتخابات من دون تغيير، والتغيير المطلوب هو تغيير حقيقي بالشكل وبالمضمون. لا معنى لأي مستقبل لاولادنا من دون تسليمهم ارضا نظيفة، خالية من النفايات وسماء نظيفة خالية من التلوث، وإلى جانبنا هنا شركة الكهرباء في الذوق تشهد على خطر التلوث الذي عجزت عن مداواته كل عنتريات الطبقة الحاكمة من أكثر من ربع قرن حتى اليوم، وكلهم اعترفوا وتحدثوا عن المشكلة ولم يجدوا لها أي حل"، معتبراً أن "لا معنى لأي انتخابات من دون ارادة شعبية نظيفة بعيدة عن الاسترزاق والرشوة. لا معنى لأي انتخابات من دون إرادة سياسية نظيفة ومن دون سياسيين مبدئيين يرفضون رشوة الضمائر ويفسدون الاخلاق، ولا يقبلون الرشوة على حساب الوطن. واذا اعتبرنا كل رشوة داخلية هي على حساب الذات، فكل رشوة خارجية هي على حساب الوطن. ولا معنى لاي انتخابات من دون عودة شجاعة للقيم والمبادىء التي تربى عليها أجدادنا، وعاشوها، وناضلوا للحفاظ عليها، وأولها الحرية، فهي التي سمحت لهم أن يقفوا في وجه كل قوة اجنبية طاغية، وكل قوة اجنبية هي قوة طاغية. باختصار، ليكن للانتخابات معنى، يجب أن نقضي على الفساد والفاسدين والمفسدين، ليزدهر الاقتصاد وتتوفر فرص العمل التي وحدها تحرر المواطن من الاستزلام".
وأشار الى "أنهم جعلوا احلامنا صغيرة وأصبحنا، بدلا من أن نحلم برفع مستوى النمو والثقافة والترقي الاجتماعي، نحن من اخترع الحرف وصدرناه إلى العالم من شواطىء جبيل الحبيبة، ونحن الذين أسسنا شرعة العدالة في مدرسة بيروت للحقوق يوم كان العالم ما زال يغرق في الجهل والتوحش، أصبحنا نحلم اليوم ألا نضيع في العتمة، ولا نغرق ونتلوث بالنفايات، أو نتسمم بالعفن الغذائي. حلمنا أصبح أن نفتح الحنفية فتنزل منهاالمياه، أن نمشي على الطريق ونلتقي بلبناني بعد أن أصبحنا أقلية في بلدنا.إن لبنان الذي كان لؤلؤة العالم بجبله وسهله وبحره وتوازن فصلوه، حولته ارادة طبقة سياسية تمكنت على مدى عقود من حكم لبنان، إلى جحيم ومصدر خطر على حضارة البحر الابيض المتوسط".
ولفت سلامة الى أنه "لنغمض عيوننا، ونسأل بصوت عال: ما هو الحلم الذي حلم به شهداؤنا في طريقهم إلى الموت فداء عن لبنان؟ وما هو الحلم الذي نريده أن يزين حياتنا؟ ما هو حلم لبنان الحقيقي، الحلم الصافي، النقي، الجريء والكريم اليد والنفس والمشاعر؟ حلمه وحلمنا أن نعيش على هذه الارض، وان يكون لنا وطن سيد بين الاوطان. ان تكون دولتنا دولة حديثة، تحكمها النزاهة والكفاءة والنوعية والخبرة والحب الكبير للبنان، لا دولة السمسرة والزعبرة واللف والدوران، لا دولة السرقة والتطاول على القانون والمال العام، دولة منيعة في وجه أخطار الداخل والخارج. لقاؤنا كي نقول: لن نسكت بعد اليوم، ولنؤكد أن قرارنا بالتغيير لا رجوع عنه، وان لبنان واللبنانيين يستحقون قيادات سياسية نظيفة الكف، جريئة، صادقة، وقادرة على بناء دولة جديدة، وعلى تسليم دولة حديثة لشباب يصنعون منها دولة حديثة أكثر وأكثر".
وسأل: "ما هو هذا الفيلم الطويل الذي لا نهاية له، أصبحت السياسة عائلة وإرثا متراكما من جيل الى جيل، والخير العام الذي يعود للشعب بالمبدأ، تحول الى خير خاص ليملأ جيوب مجموعات من الطامعين الذين لا ضمير لهم ولا وجدان؟".
واعتبرا أن "الانتخابات المقبلة تحد كبير لأهل لبنان، إما أن يغيروا وجوه الهيئات الحاكمة فيرتاحون لإعمار بلادهم، وإما أن يكرروا أخطاء الماضي ويبقون على هامش لبنان، ويبقى لبنان على هامش التاريخ. وفي هذا الاطار، أؤكد لكم ان كسروان لن تكون على الهامش، وستثبت للبنانيين انها ليست كذلك، وانها دائما كانت السباقة في رسم خرائط الطريق للمستقبل، فمنها اعلنت أول جمهورية في الشرق في القرن التاسع عشر يوم كان أهل المشرق والجوار يعيشون في عتمة السلطنة القابضة على ارادة الشعوب، وفيها انفتحت أولى المدارس التي علمت اللبنانيين ليس فقط القراءة والكتابة، بل معنى الحرية أيضا، ومعهد عينطورة ومدرسة عين ورقة يشهدان على ذلك. وأخيرا وليس آخرا، من كسروان جاء بطريرك الاستقلال الثاني مار نصرالله بطرس صفير الذي علمنا فلسفة الاخلاص للوطن، وعزة النفس واحترام الذات، وأعاد لكسروان القيمة في ذاكرة الوطن. نحييه اليوم أطال الله بعمره. أما جبيل التي تعتبر مهد الحضارة ورحمها، فكيف يمكن أن تكون على الهامش وصوت عميدها ما زال إلى اليوم يهز أعمدة البرلمان يوم رفض التوقيع على اتفاق القاهرة الذي جلب الحرب والخراب الى لبنان؟ وبيروت أم الشرائع سيبقى صوتها يدوي في كل مكان وعلى مدى الأزمان".